سورة الزمر - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الزمر)


        


{أشرقت} معناه: أضاءت وعظم نورها، يقال شرقت الشمس إذا طلعت، وأشرقت إذا أضاءت.
وقرأ ابن عباس وعبيد بن عمير: {أشرِقت} بضم الهمزة وكسر الراء على بناء الفعل للمفعول، وهذا إنما يترتب في فعل يتعدى، فهذا على أن يقال: أشرق البيت، وأشرقه السراج، فيكون الفعل متجاوزاً أو غير متجاوز بلفظ واحد كرجع ورجعته ووقف ووقفته، ومن المتعدي من ذلك يقال أشرقت الأرض: و: {الأرض} في هذه الآية: الأرض المبدلة من الأرض المعروفة.
وقوله: {بنور ربها} إضافة خلق إلى خالق، أي بنور الله تعالى، و: {الكتاب} كتاب حساب الخلائق، ووحده على اسم الجنس، لأن كل أحد له كتاب على حدة. وقالت فرقة: وضع اللوح المحفوظ، وهذا شاذ وليس فيه معنى التوعد وهو مقصد الآية.
وقوله: {وجيء بالنبيين} أي ليشهدوا على أممهم.
وقوله: {والشهداء} قيل هو جمع شاهد، والمراد أمة محمد الذين جعلهم الله شهداء على الناس. وقال السدي: {الشهداء} جمع شهيد في سبيل الله، وهذا أيضاً يزول عنه معنى التوعد، ويحتمل أن يريد بقوله: {والشهداء} الأنبياء أنفسهم، عطف الصفة على الصفة بالواو، كما تقول: جاء زيد الكريم والعاقل. وقال زيد بن أسلم: {الشهداء}: الحفظة. والضمير في قوله: {بينهم} عائد على العالم بأجمعه. إذ الآية تدل عليهم. و: {لا يظلمون} معناه: لا يوضع شيء من أمورهم غير موضعه. {ووفيت} معناه: جوزيت كملاً، وفي هذا وعيد صرح عنه قوله: {وهو أعلم بما يفعلون}.
وقرأ الجمهور: {وسيق} وجيء بكسر أوله. وقرأها ونظائرها بإشمام الضم: الحسن وابن وثاب وعاصم والأعمش. و: {زمراً} معناه: جماعات متفرقة، واحدها زمرة.
وقوله: {فتحت} جواب {إذا}، والكلام هنا يقضي أن فتحها إنما يكون بعد مجيئهم، وفي وقوفهم قبل فتحها مذلة لهم، وهكذا هي حال السجون ومواضع الثقاف والعذاب بخلاف قوله: في أهل الجنة: {وفتحت} [الزمر: 73] بالواو مؤذنة بأنهم يجدونها مفتوحة كمنازل الأفراح.
وقرأ الجمهور: {فتّحت} بشد التاء في الموضعين، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بتخفيفها، وهي قراءة طلحة والأعمش: ثم ذكر تعالى توقيف الخزنة لهم على مجيء الرسل.
وقرأ الجمهور: {يأتكم} بالياء من تحت. وقرأ الأعرج: {تأتكم} بتاء من فوق.
وقوله: {منكم} أعظم من الحجة، أي رسل من جنسكم لا يصعب عليكم مراميهم ولا فهم أقوالهم. وقولهم: {بلى} جواب على التقرير على نفي أمر، ولا يجوز هنا الجواب بنعم، لأنهم كانوا يقولون: نعم لم يأتنا، وهكذا كان يترتب المعنى، ثم لا يجدوا حجة إلا أن كلمة العذاب حقت عليهم، أي الكلمة المقتضية من الله تعالى تخليدهم في النار، وهي عبارة عن قضائه السابق لهم بذلك، وهي التي في قوله تعالى لإبليس {لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين} [ص: 85] والمثوى: موضع الإقامة.


قوله: {الذين اتقوا ربهم} لفظ يعم كل من يدخل الجنة من المؤمنين الذي اتقوا الشرك، لأن الذين لم يتقوا المعاصي قد يساق منهم زمر وهم الذي سبق لهم أن يغفر الله لهم من أهل المشيئة، وأيضاً فالذين يدخلون النار ثم يخرجون منها قد يساقون زمراً إلى الجنة بعد ذلك فيصيرون من أهل هذه الآية، والواو في قوله: {وفتحت} مؤذنة بأنها قد فتحت قبل وصولهم إليها، وقد قالت فرقة: هي زائدة. وجواب {إذا}، {فتحت}، وقال الزجاج عن المبرد: جواب {إذا} محذوف، تقديره بعد قوله: {خالدين} فيها سعدوا. وقال الخليل: الجواب محذوف تقديره: حتى جاؤوها وفتحت أبوابها، وهذا كما قدر الخليل قول الله تعالى:
{فلما أسلما وتله للجبين} [الصافات: 103] وكما قدر أيضاً قول امرئ القيس: [الطويل]
فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى ***
أي أجزنا وانتحى. وقال قوم: أشار إليهم ابن الأنباري وضعف قولهم: هذه واو الثمانية مستوعباً في سورة الكهف، وسقطت هذه الواو في مصحف ابن مسعود فهي كالأولى. و{سلام عليكم} تحية. ويحتمل أن يريد أنهم قالوا لهم سلام عليكم وأمنة لكم. و: {طبتم} معناه: أعمالاً ومعتقداً ومستقراً وجزاء.
وقوله تعالى حكاية عنهم: {وأورثنا الأرض} يريد أرض الجنة، قاله قتادة وابن زيد والسدي والوراثة هنا مستعارة، لأن حقيقة الميراث أن يكون تصيير شيء إلى إنسان بعد موت إنسان، وهؤلاء إنما ورثوا مواضع أهل أن لو كانوا مؤمنين. و: {نتبوأ} معناه: نتخذ أمكنة ومساكن.
ثم وصف حالة الملائكة من العرش وحفوفهم به، وقال قوم: واحد {حافين} حاف. وقالت فرقة: لا واحد لقوله: {حافين} لأن الواحد لا يكون حافاً، إذ الحفوف الإحداق بالشيء، وهذه اللفظة مأخوذة من الحفاف وهو الجانب، ومنه قول الشاعر [ابن هرمة]: [الطويل]
له لحظات عن حفافي سريره *** إذا كرها فيها عقاب ونائل
أي عن جانبيه. وقالت فرقة: {من} في قوله: {من حول} زائدة، والصواب أنها لابتداء الغاية.
وقوله: {يسبحون بحمد ربهم} قالت فرقة: معناه: أن تسبيحهم يتأتى بحمد الله وفضله. وقالت فرقة: تسبيحهم هو بترديد حمد الله وتكراره. قال الثعلبي: متلذذين لا متعبدين ولا مكلفين.
وقوله: {وقيل الحمد لله رب العالمين} ختم للأمر، وقول جزم عند فصل القضاء، أي إن هذا الحاكم العدل ينبغي أن يحمد عند نفوذ حكمه وإكمال قضائه، ومن هذه الآية جعلت {الحمد لله رب العالمين} خاتمة المجالس والمجتمعات في العلم. وقال قتادة: فتح الله أول الخلق بالحمد، فقال: {الحمد لله الذي خلق السموات والأرض} [الأنعام: 1] وختم القيامة بالحمد في هذه الآية.
قال القاضي أبو محمد: وجعل الله {الحمد لله رب العالمين} [الفاتحة: 1] فاتحة كتابه، فبه يبدأ كل أمر وبه يختم، وحمد الله تعالى وتقديسه ينبغي أن يكون من المؤمن كما قال الشاعر: [الطويل]
وآخر شيء أنت في كل ضجعة *** وأول شيء أنت عند هبوبي

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8